تعددت الأقوال عند أهل العِلم في وقت نزول سورة النصر؛ فقد ورد عن الصحابي عبد الله بن عُمر بن الخطاب -رضيَ الله عنهما- أنّ سورة النصر نزلت بمِنى في حجّة الوداع، ثم نزل بعدها قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)[١]، وقد عاشَ رسول الله -صلّى الله عليهِ وسلّم- بعدها ثمانينَ يوماً؛ ولذلك فإنها تُسمّى سورة التوديع؛ فقد فسّر الصحابي الجليل ترجمان القرآن عبد الله بن عبّاس -رضيَ الله عنهما- سورة النصر فقالَ في تأويلها إنّها دلالة على اقتراب ودنوّ أجل رسول الله -صلّى الله عليهِ وسلّم-.[٢]
وقد جاء عن بعض أهل العلم أنّ هذه السورة أي سورة النصر نزلت بعدَ رجوع الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- من غزوة حُنين، وقال بعض العلماء إنّ سورة النصر نزلت في زمن غزوة خيبر؛ فكانَ النصر بعد ذلك لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والفتحُ المُبين العظيم في يوم فتح مكّة.
تعريف بسورة النصرسورة النّصر سورة مدنيّة، وهي من قصار سُور القرآن الكريم، وعدد آياتها ثلاثُ آياتٍ فقط، أما عددُ كلمات سورة النصر فهي سبع عشرة كلمة، وبالنسبة لعدد حروفها فهي سبعة وسبعون حرفاً، ويأتي ترتيبها من حيث النّزول بعد سورة التّوبة، فسورة النصر هي آخر سورة نزلت على الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- من القرآن الكريم، وقد نزلت هذه السّورة على النّبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو في حجة الوداع.
تناولت سورة النصر البشارة بدخول النّاس الإسلام وإقبالهم عليه أفواجاً وجماعات بعد فتح مكة، وفيها وصية للرسول -صلى الله عليه وسلم- بلزوم التّسبيح بأن يسبح بحمد الله، وأن يلزم الاستغفار كذلك، وقد جاء في الرواية عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: (لما نزلت (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) دعا رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- فاطمة وقال: (إنه قد نُعيت إلي نفسي) فبكت ثم ضحكت، وقالت: أخبرني أنّه نُعِيَت إليه نفسه فبكيت، ثم قال: (اصبري فإنك أول أهلي لحاقاً بي) فضحِكت).[٣]
تسبق سورة النصر من حيث التّرتيب في المُصحف الشريف سورة الكافرون، وما تتضمّنه من عرضٍ لموضوع اختلاف دين وعقيدة الإسلام عن دين وعقيدة الكفار، فقد جاءت سورة النّصر تَزُفٌّ البشارة للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالفتح وهو فتح مكّة، ومن بعد فتح مكة انتشار الدين الإسلاميّ والدعوة الإسلامية في شبه الجزيرة العربيّة، وبالمقابل تراجع دعوة الشّرك والطّغيان والكفر والضّلال، وبعد فتح مكة دخل النّاس أفواجاً في دين الله، وهو الإسلام دين الحق والنور وتَحطّمت الأصنام، ورُفِعت راية التوحيد بإذن الله.[٤]
النصر سورة التوديعتُسمى سورة النّصر سورة التّوديع؛ ويُرجع علماء التفسير سبب تسمية سورة النصر بذلك كونها أشارت إلى نعي النّبي الكريم -عليه الصّلاة والسّلام- وتوديعه للدّنيا، وإعلام الله عز وجلّ للنبي الكريم باقتراب أجله، كما تدل على إتمام الرّسالة، وأداء الأمانة، وتمام مَهمّة رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- وإنهائها بما نزل من الوحي،[٥]
جاء عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما -أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل أشياخ بدر فقال: (ما تقولون في قول الله تعالى: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ )[٦] حتى ختم السّورة، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال: أكذلك تقول يا ابن عبّاس؟ قلت: لا، فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله عليه الصّلاة والسّلام أعلمه له. قال: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)[٧] فذلك علامة أجلك (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً)،[٨] فقال عمر بن الخطّاب: لا أعلم منها إلّا ما تقول).[٩] فالحديث الشريف يتناول سورة النّصر، ودلالتها على قُرب موعد وفاة النبيّ الكريم -عليه الصّلاة والسّلام- وتوديعه لأصحابه ومغادرته للحياة الدنيا.[١٠]
وفي روايةٍ عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسولُ اللهِ عليه الصّلاة والسّلام يُكثِرُ من قول سبحانَ اللهِ وبحمدِه، أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه. قالت: فقلت يا رسولَ اللهِ! أراك تُكْثرُ من قولِ: سبحانَ اللهِ وبحمدِه أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه؟ فقال: أخبرني ربِّي أنّي سأرَى علامةً في أُمّتي فإذا رأيتُها أكثرتُ من قولِ سبحانَ اللهِ وبحمدِه أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه. فقد رأيتُها (إذا جاء نصر الله والفتح)، فتحُ مكة (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)).[١١]
معاني في سورة النصرعلى الرّغم من قِصَر سورة النّصر وقلّة عدد آياتها التي هي ثلاث آياتٍ فقط؛ إلاّ أنها اشتملت وحملت في طيّاتها العديد من المعاني، ومن تلك المعاني:[١٢]
المقالات المتعلقة بمتى نزلت سورة النصر